خطبة عيد الفطر 1431هـ 2010م

  الحمد لله،الحمد لله رب العالمين،الذي خلق فسوى وقدر فهدى،قسم بين الخلائق أسباب العسرواليسر،وخصنا من بين سائرالأمم بشهرالصيام والصبر،وغسَّل به ذنوب الصائمين كغسل الثوب بماء القطر،فلله الحمد إذ رُزقنا إتمَامَه وأنالنا عيد الفطر،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نسعد بها في القبربعد الموت ونفوز بها يوم القيام من القبر،وعلى ساحة الحشروالنشر،وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله ومجتباه سيد البشر،صلى الله عليه وآله وأصحابه ما دارت الأفلاك وتعاقب الدهرواليل والنهار،وسلم تسليما كثيرا،ياشهرَ َرمضان غيرَ مودِّع ودعناك،وغيرَمَقلِي فارقناك ،كان نهارُك صدقة وصياماً،وليلُك قراءةً وقياماً،مساجدنا فيك معمورة، ومصابيحنا فيك مشهورة،فعليك منا تحية وسلاماً،أما بعد أيها المسلمون:هذا يوم العيد،هذا يومٌ من أيام الله المباركة، جمعكم الله في صباحه المبارك،على طهارة وتقوى،بعد أن أديتم فريضة الصوم خلال شهررمضان بحمد الله،وأنتم في هذا الصباح تتسلمون من ربكم جائزة التوفيق في صوم رمضان،وتمارسون فرحتكم الخالدة التي أنعم الله بها عليكم،وبشركم بها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: للصائم فرحتان يفرحهما:إذا أفطرفرح بفطره،وإذا لقي ربه فرح بصومه (البخاري ومسلم)،قوله صلى الله عليه وسلم(إذا أفطر فرح بفطره)يُحتمل أن تكون فرحته عند الإفطار بالطعام،وُيحتمل أن يكون سروره بما وُفق له من تمام الصوم واستحقاقه الثواب الجزيل،أو هما معاً،لقوله صلى الله عليه وسلم:من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفرله ما تقدم من ذنبه،فهنيئا لكم ما صمتم وما أفطرتم وما فرحتم اليوم بصومكم وفطركم،ونتمنى لنا ولكم غفران الذنوب،وهنيئا لكم إقبالكم في هذا الصباح على تكبيرالله وشكره،فزينة أعيادنا نحن المسلمين التكبيرفالله أكبرلا إله إلا الله والله أكبر،الله أكبرولله الحمد،الله أكبرشعار المسلمين،يدخل المسلم صلاته في كل يوم خمس مرات بهذه الكلمة العظيمة الله أكبرالله أكبر،يؤذن للصلاة في كل يوم خمس مرات ويفتتح آذانه بهذه الكلمة الله أكبر،يُقيم المسلمُ لصلاته كل يوم خمس مرات ويفتتح إقامته بهذه الكلمة الله أكبر،إذا ذبح المسلم ذبيحة سمى الله وكبر،بسم الله والله أكبر،فالله أكبرهي شعار المسلم في كل حين،فإذا دخل المسلم معركة كانت الصيحة التي تملأ قلوب الأعداء فزعاً وخوفاً،هي صيحة:الله أكبر،وإذا كان المسلم على فراش الموت وجب عليه أن يقول:لا إله إلا الله والله أكبر، إذاً الله أكبرهي شعارالمسلمين وهي:زينة أعيادهم الدينية، ونهاية عبادتهم،فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون،فكبرو الله أيها المسلمون،وقولو لا إله إلا الله والله أكبرالله أكبر ولله الحمد،أما أعياد غيرنا بالطقوس والافتات والمفرقعات والرقص والغناء وشرب الخمور والمصرحيات وجميع الإباحيات،أيها الإخوة الكرام:هذا يوم عيد الفطر،وللمسلمين في الدنيا ثلاثة أعياد،كل عيد منها يأتي بعد استكمال عبادة من العبادات العظيمة في الإسلام،وبعد فريضةٍ من الفرائض الكبرى،فعيد يتكرركل أسبوع وهو يوم الجمعة يأتي بعد استكمال الصلوات المكتوبات في الأسبوع،فإن الله فرض على المسلمين في كل يوم وليلة خمس صلوات،فإذا استكمل المسلمون صلوات الأسبوع جاء يوم الجمعة الذي جعله الله عيدا للأسبوع،فيجتمعون فيه على صلاة الجمعة،وعيد ثاني عيد الفطر يأتي بعد صيام رمضان،يجتمعون فيه المسلمون على الذكر وصلاة العيد يقول تعالى:ولتكملو العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون،ويقول تعالى:قد أفلح من تزكى وذكراسم ربه فصلى،والعيد الثالث يأتي بعد الحج الأكبر،وأيامه أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى،فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعرالحرام،أيها الإخوة:جاء عيد الفطرليفرح فيه المؤمنون بتوفيق الله تعالى،وهوالفرح المشروع،يقول تعالى:قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فاليفرحوا هو خير مما يجمعون،ومن شكرنعمة الله على توفيقه ألا يعيش المسلم فرحة العيد وحده،بل يجتهد أن يشرك معه الفقراء والمساكين من عباد الله،ولهذا فرض الله زكاة الفطرمن رمضان،يؤديها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم،وهي صاع من غالب قوت أهل البلد،فيجب على المسلم أن يخرج زكاة الفطرقبل خروجه لصلاة العيد، لقوله صلى الله عليه وسلم:فرض الله زكاة الفطرطهرة للصائم وطعمة للمسكين وشكرا لله على توفيقه،من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ألا ولا زكاة له( وفي رواية:ولا صوم له)،ومما شرعه الإسلام في هذا الصباح الخروج لصلاة العيد،فالخروج لصلاة العيد على هذا النمط المشهود وخاصة في قلب أوربا،فيه إظهار لشعائرالإسلام،فصلاة العيد من أعلام الدين الظاهرة،أشارإليها الله بقوله تعالى:قد أفلح من تزكى وذكراسم ربه فصلى .

أيها المسلمون:

 

إن يوم العيد أشبه بيوم الوعيد،أشبه بيوم القيامة،لأن الله يقول عن يوم القيامة:وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة،أما المستبشرون الفرحون في يوم العيد،فأولائك الذين أتم الله عليهم نعمة الصيام والقيام،فهم في هذا اليوم فرحون مستبشرون،وحق لهم أن يفرحوا وأن يستبشروا،لأنهم أمروا بالصيام فصاموا وأمروا بالقيام فقاموا،وأما الوجوه التي عليها غبره ترهقها قترة،فوجوه أولائك الذين لم يقدروا نعمة الله،ولم يمتثلوا لأمرالله في شهر رمضان بالصيام والقيام،بل كانوا في النهار نيام وفي اليل مع الأفلام،فياويحهم بل ويا ويلهم،فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى،إخوة الإيمان:تمسكوا بدين الإسلام،فإن الله الذي خلق الناس يقول لهم:اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وهي الوصية التي أوصى بها إبراهيم بنيه وأولادُه أبناءهم، يقول تعالى حكاية عن وصية إبراهيم لأبنائه،وأبناؤه أبناءهم:وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون،أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم….وهي أمنية يوسف عليه السلام،بعد المحن والمنح قال:رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطرالسماوات والارض أنت وليي في الدنيا والاخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين،فالإسلام هو دين جميع الرسل عليهم السلام،إن الدين عند الله الإسلام،ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهوفي الآخرة من الخاسرين،شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينافعيسى عليه السلام كان نبيا رسولا مسلما يدعوا الناس إلى الإسلام،وكذلك إبراهيم عليهم جميعا الصلاة وأزكى السلام، ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما،ويقول ربنا عن عيسى عليه السلام:فلما أحس عيسى منهم الكفرأي من أتباعهقال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصارالله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون،لكن أيها الإخوة الكرام، الإسلام ليس بالتسمي أو بالانتماء والانتساب من غير التزام لأحكامه،وقيام بواجباته،وابتعاد عن مناقضاته ومنقصاته،إن للإسلام أركاناً وشرائعَ وسنناً،فهويشمل عبادة الخالق والإحسان إلى المخلوق،الإسلام قول وعمل واعتقاد دين ودولة،عقيدة وسلوك،ذو أركان خمسة،هي…. الإسلام ليس مجرد دعوى بلا حقيقة،ولا هو جمع بين المتناقضات،الإسلام هو:الاستسلا م لله بالتوحيد،والانقياد له بالطاعة،والخلوص من الشرك وأهله،لا يمكن أن يكون المرءُ مسلماً مع البقاء على ما يناقضه،أو ينقصه،فالمسلم الحق من وحد الله واتبع رسوله وأدى الواجبات واجتنب المنهيات وأحسن التعامل مع المخلوقات، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج بيت الله الحرام،وأمر بالمعروف ونهى عن المنكرفي حدود طاقته،يقول تعالى في وصف المومنين الصادقين:والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيزحكيم،المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،والمؤمن من كان الناس منه في أمان،والمهاجرمن هجرالمعاصي،الإسلام لا يريد منا أن نكون مسلمين جغرافيين،لا يريد مسلمين وراثيين،لا يريد مسلمين شكليين، إنما يريد مسلمين حقيقيين ملتزمين بالكتاب والسنة، مستعدين أن يبذلوا في سبيل دينهم،وخاصة في هذا العصر الذي تموج فيه الفتن كموج البحر،نحن في عصرالفتن التي أشارإليها الرسول

صلى الله عليه وسلم قبل مجيئها بقوله: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا،نحن في عصراضطراب المعاير يرى الناسُ فيه المعروفَ منكرا والمنكرَمعروفا،ها أنتم ترون أن بائع الخمور والمخدرات الناس يعدونه رجلا كيسا،وفي الشرع هو ملعون في كتاب الله وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم،والملتزم بالإسلام يعدونه إرهابيا،أليست هذه فتنا؟بلى،وما المخرج منها؟المخرج من هذه الفتن هو الرجوع إلى الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم،ولن يصلح آخرهذه الأمة إلا بما صلح به أولها،أسأل الله جل وعلا أن يقينا شرالفتن ما ظهرمنها وما بطن،وأن يقينا شر أنفسنا،لأننا لما ضيعنا ديننا،وانحرفنا عن كتاب ربنا وسنة نبينا،أذلنا الله في الدنيا وفي يوم القيامة يعذبنا،وعذابه جل وعلا لا يكون يوم القيامة إلا بنار جهنم،جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع،واتبعـتم أذناب البقر،وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لن يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم،ثم المسألة التي يجب أن نشير إليها وهي من أعظم المسائل يجب أن نهتم بها،وهي تربية الأبناء من بنين وبنات،علينا أن نربي أبناءنا على الإسلام،فهذا واجب أوجبه الله على الآباء نحو الأبناء،فالله استأمن الآباء على الأبناء واسترعاهم عليهم وذلك بقوله تعالى:ياأيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة،وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه،فليكن ذلك منكم على بال أيها الأباء،وقال صلى الله عليه وسلم:إن الله سائل كل راع عما استرعاه حتى يَسأل الرجلَ عن أهل بيته حفظ أم ضيع، ومن لم يعلم أولاده الدين الصحيح حفظهم أم ضيعهم؟ ضيعهم والله،فتربية الأبناء مهمة عظيمة وشاقة،يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها،ويعدوا العدة لمواجهتها،خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن،واشتدت فيه غربة الدين،وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب،وإذا خسر العبد أولاده خسر الدنيا والآخرة، يقول تعالى:قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين،وخوفا من هذه الخسارة قال صلى الله عليه وسلم:مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين،واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع،أي فرقوا بين الذكور والإناث في النوم .

أضف تعليق

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم.