لــزوم الإمــام والتـفقه في القرآن [ من وصايا الرسول لمعاذ ]

أيها الإخوة الكرام:بما أننا في سلسلة تبيان عناصرالوصية النبوية الشريفة لمعاذرضي الله عنهنلتقي اليوم بمشيئة الله وتوفيق منه سبحانه وتعالى،مع تبيان عنصرين عظيمين من عناصر هذه الوصية وهما:لزوم الإمام والتفقه في القرآن،فهما من ضمن ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم معاذارضي الله عنهبقوله له:أوصيك بتقوى الله،وصدق الحديث،ووفاء العهد،وأداء الأمانة،وترك الخيانة، ورحم اليتيم،وحفظ الجوار،وكظم الغيظ،ولين الكلام،وبذل السلام ،ولزوم الإمام،والتفقه في القرآن،الخ الوصية،والمراد بوصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ:ولزوم الإمام،قيل:في ذالك إشارة إلى لزوم الخليفة الأول الذي هو الإمام الأكبر،بما أن معاذا رضي الله عنهكان من كبارعلماء الصحابة رضي الله عنهم،أوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم بلزوم الإمام،لينصحه ويرشده، والأميرأوالرئيس،إذا لم يأخذ برأي علماء الشريعة ولم يستشرهم ضل وأضل،ولذلك كان عمربن عبد العزيزرحمه الله دائما يطلب من علماء عصره النصيحة،وقيل:إن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه ولزوم الإمام، المواظبة والمحافظة على صلاة الجماعة في المسجد مع الإمام، وذلك لأن صلاة الجماعة(كما جاء في صحيح البخاري ومسلم) أفضلُ من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة،ولما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:من توضأ فأسبغ الوضوء،ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه (رواه ابن خزيمة)وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما:أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:من سمع النداء فـلم يمنعه من إتباعه عذر،قالوا وما العذر يارسول الله؟قال:خوف أو مرض،لم تقبل منه الصلاة التي صلى (رواه أبوا داود وابن ماجه) وهذا وعيد شديد توعد به الرسول صلى الله عليه وسلم كل من يتكاسل عن صلاة الجماعة في المسجد مع الإمام،بل هناك وعيد أشد من هذا،وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد هم بإحراق المنازل على كل الذين يتخلفون عن الصلوات المكتوبة في المسجد مع الإمام، ولولا ما في البيوت من نساء وصبيان وعجزة لفعل صلى الله عليه وسلم ذلك،ومن هنا كان يقول:ابن مسعود رضي الله عنه: كما جاء في (صحيح مسلم) من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن لمن سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلفُ في بيته،لتركتم سنة نبيكم،ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم،وما من رجل يتطهر فيُحسن الطُّهور،ثم يَعمِدُ إلى مسجد من هذه المساجدِ إلا كَتب الله له بكل خَطوة يخطوها حسنة،ويرفعه بها درجة،ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق،ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى (بين الرجلين)حتى يقام في الصف،وفي رواية:لقد رأيتنا،وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه،أو مريض،إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة وما يتخلف عنها،الخ الروايات الواردة في الحث على أداء الصلوات المكتوبة في المسجد الذي يؤذن فيه وأداؤها مع الإمام والترغيب في ذلك،وفي المحافظة على الصلوات المكتوبة في المسجد مع الإمام،أجر كبيروثواب عظيم،ويكفي المحافظين عليها في المساجد شرفا وفخرا ما بشرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سبق ذكره،وهوأن لهم بكل خطوة يخطوها المسلم إلى المسجد للصلاة،حسنات وكفارات،أي خطوة تكتب له بها حسنة، وخطوة ترفع له بها درجة،وخطوة تمحى عنه بها سيئة أو خطيئة كما سبق في الحديث،وأي شخص يؤمن بهذا الأجر والثواب ويزهدُ فيه؟وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة منها ما سبق ذكره،وما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيرُه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا، ويكفرالله به الذنوب ويرفع به الدرجات؟قالوا بلى يارسول الله؟ قال:إسباغ الوُضوء على المكروهات،وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة،فذلكم الرباطُ، فاستحضركل هذا أخي المسلم الكريم، وحافظ على الصلوات المكتوبة في المسجد مع الإمام،لتفوز بهذا الأجر الكبيروتحصل على هذا الثواب العظيم، أقول:مع الإمام، لأنه ليس المراد بالصلاة في المسجد فقط، وفي أي وقت شاء الإنسان،لا،بل المطلوب حضورها مع الإمام في أول وقتها،وذلك من علامة كمال إيمان المرء،والبراءة من النفاق،لقوله تعالى:إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخروأقام الصلاة وآتى الزكاة وفي الحديث القدسي،إن بيوتي في أرضي المساجد وزواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي وحق على المزورأن يكرم زائره،ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله،رجل قلبه معلق بالمساجدالخ الحديث الصحيح،وفي الأثر إذا رأيتم الرجل يتعاهد المساجد فاشهدوا له بالإيمان،وخاصة العشاء والصبح،فالذين يحافظون على صلاة العشاء والصبح في المسجد مع الإمام أكثر أجرا وأعظم ثوابا من باقي الصلوات الأخرى،كيف لا وقد بشرهم الرسول بقوله صلى الله عليه وسلم:بشر المشائين في الظُّلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة،وحذر من التهاون بهما فقال:أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والصبح لو يعلموا ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبوا، حافظ على أداء صلاتك أخي المسلم الكريم في بيوت الله،في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو ، والا صال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدَهم من فضله،ويقول تعالى: أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم،ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دون الله أولياء أولائك في ضلال مبين،والزم أخي المسلم الكريم متابعة الإمام في كل أقوال الصلاة وأفعالِها إلا آمين،فقلها معه،فإن السنة أمرت بذلك،وإياك ومشاركة الإمام، أو مسابقته في غير ذلك،لقوله صلى الله عليه وسلم:إنما جُعل الإمام ليؤتم به،لا تكبروا قبله أو معه،ولا تسلموا قبله أومعه، فإن في ذلك الوعيد الشديد توعد به الرسول صلى الله عليه وسلم كلَّ من فعله فاحذروه،جاء في صحيح البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمارأويجعل الله صورته صورة حمار،ثم قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه،بعد ما أمره بلزوم الإمام أمره بالتفقه في القرآن،لأن الأمة الإسلامية مطالبةٌ بتطبيق القرآن الكريم،في حياتها الخاصة والعامة،بل القرآن هو مناط سعادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة،وكيف تطبقه إذا كانت تجهل ما فيه من عبر وحكم وأحكام وقصص،ولا تفقه ما يشتمل عليه من أوامر ونواهي، ووعد ووعيد وتوحيد،وإثبات لله سبحانه وتعالى مما أثبته لنفسه من ألأسماء والصفات،فالقرآن مليء بالأسرار والآيات التي تحتاج إلى مدارسة تتطلب من كل مسلم ومسلمة ضرورة العمل على تحصيلها والوقوف على أسرارها،إذ القرآن عمدة الملة وأساس العقيدة،ومصدر الشريعة،وروح الوجود الإسلامي كله،وقد سجع الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على مدارسة القرآن الكريم بقوله:ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة،وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده(رواه مسلم) كل هذا تحفيز للأمة على التفقه في القرأن الكريم،ولذلك فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يهتمون كثيرا بالتفقه في القرآن الكريم،ولما أحسنوا التعامل مع القرآن الكريم،والتفقه فيه،أعزهم الله ونصرهم على غيرهم،ولا يصلح آخرهذه الأمة إلا بما صلح به أولها،فعلينا أيها الإخوة الكرام أن نتفقه في القرآن الكريم،وأن نعلم أن القرآن فيه النور والشفاء والرحمة، يقول تعالى:والنورالذي أنزلنا،ويقول أيضا:وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمومنين، فالقرآن الكريم هوالمخرج لنا من الفتن النازلة بنا،وفيه قوتنا وعزنا ومجدنا،روى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون بعدي فتن كقطع اليل المظلم،قلتأي علي-:وما المخرج منها يارسول الله؟قال:كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم،وخبرما بعدكم، وحكم ما بينكم،هو الفصل ليس بالهزل،من تركه من جبار قصمه الله،ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله،هو حبل الله المتين،ونوره المبين،وهو الذكر الحكيم ، والصراط المستقيم، وهوالذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبسُ به الألسِنة،ولا تتشعب معه الآراء،ولا تشبع منه العلماءُ،ولا تمَله الأتقياء، ولا تنقضي عجائبه،وهوالذي لم تنته الجن إذْ سَمِعَتهُ أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به،فمن قال به صدق،ومن حَكم به عَدَلَ،ومن عمل به أُجر،ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم،وهوعصمة لمن تمسك به،ونجاة لمن اتبعه،وفق الله المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها للعمل بكتابها العزيز، ليرفعوا المعاليَ في هذه الحياةِ وليجنوا ثمارعمَلِهِمُ الصالح في دار البقاء(لكن الحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ) ومن أعرض عن القرآن كان مصيره ضنك المعيشة في الدنيا، وعذاب الله في الدارالآخرة،يقول ربنا:ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى،ويقول تعالى: ومن يعش عن ذكرالرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ،ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا، والدليل على أن القرآن هوالذكر قوله تعالى:إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ،فالقرآن دستوركامل،دستور رباني عظيم ينظم حياة الفرد والعائلة والمجتمع والحكومة،فيه تبيان كل شىء،يقول تعالى:ما فرطنا في الكتاب من شىء،لو طبقناه لكنا في طليعة الأمم ومقدمة الصفوف ،يقول تعالى:لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون،لقد أنزلنا فاللام للقسم أى والله لقد أنزلنا إليكم كتابا عظيما فيه شرفكم وعزكم ومجدكم وقوتكم لودرستموه وطبقتموه لكانت لكم الهيمنة في الدنيا،كما قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في آية أخرى:وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون،فقوتنا وشرفنا وعزنا ومجدنا في تحكيم قرآن ربنا،والعمل بما فيه،لقوله صلى الله عليه وسلم:إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين،وعلى هذا يجب أن تكون وحدة الأمة الحقيقية،عملا بقوله تعالى:واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا،لكن أيها الإخوة:مما يجب علينا أن نعرفه أن القرآن ما أنزله الله ليُقرأ في المآتم والمقابر،أو ليُكتب ويعلق على جدران المنازل والحيطان للزينة،أو ليكتب حجبا وحرزاً ليعلق على صدور النساء والأطفال،بل أنزل اللهُ القرآن ليدبروا آياته،ولتطبيق مافيه،يقول تعالى:كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب،أنزله الله القرآن لهداية الخلق وإرشادِهم، وليَحكم على الناس في المحاكم وغيرها من الأماكن،لا ليُحكم عليه،وأنه في كل وقت وحين وزمان ومكان يُرشد إلى أهدى الأمور وأقومِها،وقد بين الله ذلك في كتابه بقوله:إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا،وأن الذين لا يومنون بالاخرة أعتدنا لهم عذابا أليما،وقال تعالى:الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا،ويقول تعالى:إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما،وقال تعالى: وأن أحكم بينهم بما أنزل الله،هذه هي الحكمة والغاية من نزول القرآن الكريم ذكرها الله لنا في كتابه لإقامة الحجة على العباد ، وقد بين ذالك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتابَ الله وسنتي،ولذا كان العز بن عبد السلامرحمه اللهيقول: ياأهل الشام اتبعوا القرآن ولا تنتظروا من القرآن أن يتبعكم،اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون،فعلى المسلمين جميعاً في كل زمان ومكان أن يتفقهوا في القرآن الكريم وأن يتلقوا معنى كلامِ اللهِ العزيز الحكيم،كما تلقاه الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين،فإنهم كانوا إذا قرءوا عشرَآياتٍ أو أقل أو أكثر،لم يتجاوزوها حتى يعرفوا معناها ويحققوا ما دلت عليه من الإيمان والعلم والعمل،فيُنَزِّلونها على الأحوال الواقعة،يؤمنون بما احتوت عليه من العقائد والأخبار، وينقادون لأوامرها ونواهيها،ويطبقو نها على جميع ما يشهدون من الحوادث والوقائع الموجودةِ بهم وبغيرهم، ويحاسبون أنفسهم:هل هم قائمون بها؟أومُخِِلون بحقوقها ومطلوبها؟وكيف الطريقُ إلى الثبات على الأمورالنافعة؟ وتداركِ ما نقص منها؟وكيف التخلصُ من الأمورالضارة؟فيهتدون بعلوم القرآن،ويتخلقون بأخلاقه وآدابه،ويعلمون أنه خطاب من الله موجَّه إليهم،وأنهم مُطالَبون بمعرفة معانيه،والعملِ بما يقتضيه، ومتى عَلم العبد المؤمنُ أن القرآن فيه بيان كلِّ شيء،وأنه كفيل بجميع المصالح،مبين لها،حاث عليها،زاجرعن المضار كلها، وجعل هذه القاعدة نُصب عينيه،ونزلها على كل واقع وحادث، سابق أو لاحق،ظهرله عِظمُ موقِعِها،وكثرةُ فوائدها، وثمرتُها ، فالقرآن أنزله الله ليُقرأ على من يمكنهم العمل به من الأحياء، لقوله تعالى:لتنذر به من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أما الأموات فلا يسمعونه،وإن سمعوا لا يمكنهم العمل به،ولقد تسابق الصحابة رضي الله عنهم على التفقه في القرآن،وعلى العمل بأوامره،وترك نواهيه فأصبحوا سعداء الدنيا والآخرة، ولكنهم لم يفكروا في قراءته على من مات،لعلمهم أنه دستور الأحياء،ولو فعلوا لنقل إلينا،لكن حين ترك المسلمون تعاليم القرآن،واتخذوه للموتى يقرءونه على القبور،وأيام التعزية، وأزالوه من المحاكم،أصابهم الذل والتفرق،ولقد راجت فكرة قراءة القرآن للموتى حتى أصبحت قراءة القرآن علامة على الموت، بالله علينا،إن الميت الذي مات ولم يحيا على القرآن في الدنيا،وترك الصلاة في حياته،ومعلوم أن الصلاة عمود الدين، ماذا يستفيد من القرآن بعد موته؟وهو يبشره بالويل والغي والعذاب الأليم في الآخرة، يقول تعالى:الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يومنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون،الله سبحانه وتعالى لم يثني على هؤلاء ولم يزكهم إلا بسبب ما اتصفوا به من إيمان بالقرآن الكريم،وعملٍ بكل ما جاء به هذا الذكر الحكيم،الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد،أما قراءته بدون تطبيق له وتأدب بآدابه،وتدبر لمعانيه،ربما لا تنفعه،أو ربما تضر ولا تنفع ! لماذا؟لأن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قال:كم من قارئٍ يقرأ القرآنَ والقرآنُ يلعنه،ربما يقول قائل كيف يلعنهم وهم يقرءونه؟لأنهم يقرءونه ولا يطبقونه،في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:يخرج في هذه الأمة قوم، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم،وصيامكم إلى صيامهم،وقراءتكم إلى قراءتهم،وعملكم إلى عملهم،يقولون من خير البرية، يقرءون القرآن لينا رطبا،لا يجاوز حناجرهم،يحسبونه لهم وهو عليهم،يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية،ثم لا يعودون فيه،هم شر الخلق والخليقة،ومن أبغض خلق الله إليه، إشارة إلى الخوارج الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم:هم كلاب أهل النار،ولذا عائشة رضي الله عنها علمتنا كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع القرآن،وذلك لما سئلت عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم قالت:كان خلقه القرآن،أي كان صلى الله عليه وسلم يطبق القرآن حرفيا، كان قرآنا يمشي على رجليه،فبركة القرآن في تطبيقه،وفي قراءته أيضا لكن مع تدبرآياته،كما قال تعالى:كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته،أما قراءته بدون تدبرالآيات وتطبيق ما فيه من أوامر ومنهيات لا جدو فيها، ولست إخوة الإيمان أنكر التعبد بتلاوة القرآن،المشار إليها بقوله تعالى:إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور،وبقوله تعالى:والذين يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به، والمشارإليها بقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه (رواه البخاري) والمشارإليها أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم:الماهر بالقرآن وفي رواية والذي يقرآ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة،والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران (رواه البخاري ومسلم) وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه!!وقال صلى الله عليه وسلم:من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها،لا أقول ألم حرف،ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف،(رواه الترمذي) لكني أقول:قراءة القرآن يجب أن تكون مقرونة بالتدبر والعمل بما فيه،وفقـنا الله جميعا لقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه،وتطبيق أوامره واجتناب نواهيه،والوقوف عند حدوده، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القرآن شافع مشفع،من جعله أمامه أي طبقهقاده إلى روضة من رياض الجنة، ومن جعله خلفهأي لم يطبقهساقه إلى النار،بل وربما يكون القارئ أوالمنصت معجبا بالأنغام الصوتيه فقط،يكون معجبا بالأصوات،وهذا خلاف لما قاله الله منزل القرآن،قال:وإذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمعمما سمعوا من الأنغام الصوتية؟لابل مما عرفوا من الحق،أيها الإخوة:إننا نخشى أن نكون من الذين يشكوهم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيمة لرب العالمين بقوله له:ياربي إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا،فماذا نقول؟ونحن نعلم أننا قد هجرناه،بل وماذا نقول إذا قال القرآن: ياربي:إنك قد أنزلتني لأقضي في المحاكم فإذا بهم يجعلوني تلاوة في المآتم،؟ما ذا نقول إذا قال القرآن:ياربي إنك قد أنزلتني لهداية الأحياء فجعلوني للقراءة على الأموات؟ماذا نقول إذا قال القرآن:ياربي إنك قد أنزلتني للتشريع والتوجيه فجعلوني في التسلية والترفيه؟ ما ذا نقول إذا قال القرآن:ياربي إنك قد أنزلتني لأكون حرزا للإنسانية كلها من الضلال فجعلوني حرزا يعلق في صدورالنساء والأطفال؟ماذا نقول إذا قال القرآن: ياربي إنك قد أنزلتني لأكون سنة للرقي فجعلوني تعاويذ للرقي؟ماذا نقول إذا خاصمنا القرآن فخصمنا؟وحادنا رسول الله فغلبنا،ولم نجد جوابا شافيا ندافع به عن نفسنا؟ ،فبأي لسان نتكلم، وبأي لغة نجيب ونحن قد هجرنا القرآن؟ لا نبحث عنه في حل مشاكلنا استجابة لقول ربنا:فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسولأى إلى القرآن والسنة، وإنما نبحث عنه إذا مات أحدنا،أيها الإخوة : إعلموا يرحمكم الله أن هجر القرآن أنواع، قال ابن كثيررحمه اللهفي تفسيره:ترك تدبره وتفهمه من هجرانه،وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدل عنه إلى غيره من شعرأو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه ،وقال ابن القيم رحمه اللههجر القرآن على خمسة أنواع: أحدها هجر سماعه والإيمانِ به والإصغاءِ إليه،والثاني: هجرالعمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به،والثالث:هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين،والرابع:هجر تدبره وتفهمه ومعرفةِ ما أراد المتكلم به منه، والخامس:هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها،فيَطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به،وكل هذا داخل في قوله تعالى:وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا،وإن كان بعض الهجر أهون من بعض،وقد ورد في الحديث يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه !فاعلموا أيها الإخوة أن الاهتمام بكتاب الله من أهم المهمات، وسعادتنا في الدنيا والآخرة متوقفة على تطبيقنا للقرآن الكريم،وفق الله الأمة الإسلامية لتطبيق كتاب الله عز وجل واتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين .

أضف تعليق

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم.